فصل: تفسير الآيات (47- 50):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (47- 50):

{قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (47) وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا (48) فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا (49) وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (50)}
قرأ أبو البرهسم {سلاماً عليك} بالنصب، واختلف أهل العلم في معنى تسلميه عليه، فقال بعضهم هي تحية مفارق وجوزوا تحية الكافر وأن يبدأ بها. وقال الجمهور: ذلك التسليم بمعنى المسالمة لا بمعنى التحية، قال الطبري معناه أمنة مني لك، وهذا قول الجمهور وهم لا يرون ابتداء الكافر بالسلام، وقال النقاش: حليم خاطب سفيهاً كما قال، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً، ورفع السلام بالابتداء، وجاز ذلك مع نكرته لأنها نكرة مخصصة فقربت من المعرفة ولأنه في موضع المنصوب الذي هو سلمت سلاماً وهذا كما يجوز ذلك في ما هو في معنى الفاعل كقولهم شراً أهرّ ذا ناب، هذا مقال سيبويه، وقوله تعالى {سأستغفر} معناه سأدعو الله تعالى في أن يهديك فيغفر لك بإيمانك وهذا أظهر من أن يتأول على إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم أنه لم يعلم أن الله لا يغفر لكافر، وقد يجوز أن يكون إبراهيم عليه السلام أول نبي أوحي إليه أن لا يغفر لكافر، لأن هذه العقيدة إنما طريقها السمع، فكانت هذه المقالة منه لأبيه قبل أن يوحى إليه ذلك، وإبراهيم عليه السلام إنما تبين له في أبيه أنه عدو لله بأحد وجهبن إما بموته على الكفر كما روي وإما بأن أوحي إليه تعسف الحتم عليه، وقال مكي عن السدي: أخره بالاستغفار الى السحر، وهذا تعسف، وإنما ذكر ذلك في أمر يعقوب وبنيه وأما هذا فوعد باستغفار كثير مؤتنف فالسين متمكنة. والحفي المبتهل المتلطف وهذا شكر من إبراهيم لنعم الله تعالى عليه، ثم أخبره أنه يعتزلهم أي يصير عنهم بمعزل، ويروى أنهم كانوا بأرض كوثا فرحل إبراهيم عليه السلام حتى نزل الشام وفي سفرته تلك لقي الجبار الذي أخدم هاجر بسارة الحديث بطوله، و{تدعون} بمعنى تعبدون، وقوله: {عسى} ترج، في ضمنه خوف شديد، وقوله: {فلما اعتزلهم} الى آخر الآية، إخبار من الله تعالى لمحمد عليه السلام أنه لما رحل عن بلد أبيه وقومه عوضه الله من ذلك ابنه {إسحاق} وابنه {يعقوب} وجعل له الولد تسلية وشداً لعضده، و{إسحاق} أصغر من إسماعيل، ولما حملت هاجر بإسماعيل غارت سارة فحملت ب {إسحاق} هذا ما روي، وقوله: {ووهبنا لهم من رحمتنا} يريد العلم والمنزلة والشرف في الدنيا والنعيم في الأخرة، كل ذلك من رحمة الله، ولسان الصدق هو الثناء الباقي عليهم أخر الأبد، قاله ابن عباس. واللسان في كلام العرب المقالة الذائعة كانت في خير أو شر ومنه قول الشاعر: [البسيط].
إني أتتني لسان لا أسر بها ** من علو لا كذب فيها ولا سخر

وقال آخر: [الوافر]
ندمت على لسان فات مني ** وإبراهيم الخليل وبنوه معظمون في جميع الأمم والملل صلى الله عليهم أجمعين.

^

.تفسير الآيات (51- 55):

{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (51) وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا (52) وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا (53) وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (54) وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (55)}
هذا أمر من الله عز وجل بذكر {موسى} بن عمران عليه السلام على جهة التشريف، له وأعلمه ب {إنه كان مخلصاً}، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر {مخلِصاً} بكسر اللام وهي قراءة الجمهور أي أخلص نفسه لله، وقرأ حمزة والكسائي وعاصم {مخلَصاً} بفتح اللام وهي قراءة أبي رزين ويحيى وقتادة أي أخْلَصَهُ الله للنبوءة والعبادة كما قال تعالى: {إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار} [ص: 46]. والرسول من الأنبياء الذي يكلف تبليغ أمة، وقد يكون نبياً غير رسول، وقوله: {وناديناه} هو تكليم الله تعالى، و{الطور} الجبل المشهور في الشام، وقوله: {الأيمن} صفة للجانب، وكانت على يمين موسى بحسب وقوفه فيه، وإلا فالجبل نفسه لا يمنة له ولا يسرة ولا يوصف بشيء من ذلك إلا بالاضافة الى ذي يمين ويسار، ويحتمل أن يكون قوله: {الأيمن} مأخوذاً من اليمن كأنه قال الأبرك والأسعد، فيصح على هذا أن يكون صفة للجانب وللجبل بجملته، وقوله، {وقربناه نجياً} قال الجمهور هو تقريب التشريف بالكلام والنبوءة، وقال ابن عباس: بل أدني موسى من الملكوت ورفعت له الحجب حتى سمع صريف الأقلام وقاله ميسرة، وقال سعيد: أردفه جبريل، والنجي، فعيل من المناجاة وهي المسارّة بالقول، وقال قتادة {نجياً} معناه نجا بصدقة وهذا مختل، وإنما النجي المنفرد بالمناجاة، وكان {هارون} عليه السلام أسن من موسى وطلب من الله أن يشد أزره بنبوته ومعونته فأجابه الله تعالى إلى ذلك وعدها في نعمه عليه، وقوله تعالى: {واذكر في الكتاب إسماعيل}، وهو أيضاً من لسان الصدق والشرف المضمون بقاؤه على آل إبراهيم عليه السلام، و{إسماعيل} هو أبو العرب اليوم وذلك أن اليمينة والمضرية ترجع الى ولد {إسماعيل} وهو الذي أسكنه أبوه بواد غير ذي زرع وهو الذبيح في قوله الجمهور وقالت فرقة الذبيح إسحاق.
قال القاضي أبو محمد: والأول يترجح بجهات منها قول الله تبارك وتعالى، ومن وراء إسحاق يعقوب فولد قد بشر أبواه أنه سيكون منه ولد هو حفيد لهم كيف يؤمر بعد ذلك بذبحه وهذه العدة قد تقدمت وجهة أخرى وهي أن أمر الذبح لا خلاف بين العلماء أنه كان بمنى عند مكة وما روي قد أن إسحاق دخل تلك البلاد، وإسماعيل بها نشأ وكان أبوه يزور مراراً كثيرة يأتي من الشام ويرجع من يومه على البراق وهو مركب الأنبياء، وجهة أخرى وهي قول النبي عليه السلام «أنا ابن الذبيحين» وهو أبوه عبدالله لأنه فدي بالإبل من الذبح، والذبيح الثاني هو أبوه إسماعيل، وجهة أخرى وهي الآيات في سورة الصافات وذلك أنه لما فرغ من ذكر الذبح وحاله، قال: {وبشرناه بإسحاق} [الصافات: 112]، فترتيب تلك الآيات يكاد ينص على أن الذبيح غير إسحاق، ووصفه الله تعالى ب صِدق الوعد لأنه كان مبالغاً في ذلك، روي أنه وعد رجلاً أن يلقاه في موضع فجاء إسماعيل وانتظر الرجل يومه وليلته فلما كان في اليوم الآخر جاء الرجل فقال له ما زلت هنا في انتظارك منذ أمس، وفي كتاب ابن سلام أنه انتظره سنة وهذا بعيد غير صحيح والأول أصح، وقد فعل مثله نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قبل ان يبعث، ذكره النقاش وخرجه الترمذي وغيره، وذلك في مبايعة وتجارة وقيل وصفه ب صدق الوعد لوفائه بنفسه في أمر الذبح أذ قال: {ستجدني إن شاء الله صابراً} [الكهف: 69] وقال سفيان بن عيينة: أسوأ الكذب إخلاف الميعاد ورمي الأبرياء بالتهم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «العدة دين فناهيك بفضيلة الصدق» في هذا و{أهله}، يريد بهم قومه وأمته، قاله الحسن، وفي مصحف عبد الله بن مسعود {وكان يأمر قومه}. وقوله: {مرضياً} أصله مرضوياً لقيت الواو وهي ساكنة الياء فأبدلت ياء وأدغمت ثم كسرت الضاد للتناسب في الحركات، وقرأ ابن أبي عبلة {وكان عند ربه مرضواً}.

.تفسير الآيات (56- 58):

{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (56) وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا (57) أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آَدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا (58)}
{إدريس} عليه السلام هو من أجداد نوح عليه السلام، وهو أول نبي بعث الى أهل الأرض، فيما روي، من بعد آدم، وهو أول من خط بالقلم وكان خياطاً، ووصفه الله ب الصدق والوجه أن يحمل ذلك على العموم في الأحاديث والأعمال. قال ابن مسعود هو الياس بعث إلى قومه بأن لا يقولوا لا إله إلا الله. ويعملوا ما شاؤوا فأبوا فأهلكوا، والأشهر أنه لم يبعث بإهلاك أمة وإنما نبئ فقط واختلف الناس في قوله: {ورفعناه مكاناً علياً}.
فقال جماعة من العلماء هو رفع النبوءة والتشريف والمنزلة وهو في السماء كما سائر الأنبياء، وقالت فرقة: بل رفع الى السماء، قال ابن عباس: كان ذلك بأمر الله كما رفع عيسى وهنالك مات، وقال مجاهد إلا أنه قال: ولم يمت، وكذلك قال وهب وقال كعب الأحبار لابن عباس كان له خليل من الملائكة فحمله على على جناحه وصعد به حتى بلغ السماء الرابعة فلقي هنالك ملك الموت فقال له إنه قيل لي اهبط إلى السماء الرابعة فاقبض فيها روح {إدريس} وإني لأعجب كيف يكون هذا، فقال له الملك الصاعد هذا {إدريس} معي فقبض روحه وروي أن هذا كله كان في السماء السادسة قاله ابن عباس، وكذلك هي رتبته في حديث الإسراء في بعض الروايات وحديث أنس بن مالك وأبي هريرة في الإسراء يقتضي أنه في السماء الرابعة. وقوله تعالى: {أولئك الذين أنعم الله عليهم} الإشارة ب {أولئك} إلى من تقدم ذكره، وقوله: {من ذرية آدم} يريد {إدريس} ونوحاً وممن حمل مع نوح إبراهيم عليه السلام، {ومن ذرية إبراهيم} وإسماعيل وإسحاق ويعقوب، ومن ذرية {إسرائيل} موسى وهارون وزكرياء ويحيى ومريم. وقوله: {وممن هدينا} معناه وأولئك ممن هدينا، لأن هدى الله قد ناله غير هؤلاء. {واجتبينا} معناه اصطفينا واخترنا وكأنه من جبيت المال إذا جمعته ومنه جباية المال وكأن جابيه يصطفيه، وقرأ الجمهور {إذا تتلى} بالتاء من فوق وقرأ نافع وشيبة، وأبو جعفر {إذا يتلى} بالياء، والآيات هنا الكتب المنزلة، و{سجداً} نصب على الحال لأن مبدأ السجود سجود، وقرأ عمر بن الخطاب والجمهور {بكياً} قالت فرقة: هو جمع باك كما يجمع عاث وجاث على عثيّ وجثي، وقال فرقة: هو مصدر بمعنى البكاء التقدير وبكوا {بكياً} واحتج الطبري ومكي لهذا القول بأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه روي أنه قرأ سورة مريم فسجد ثم قال هذا السجود فأين البكي يعني البكاء، واحتجاجهم بهذا فاسد لأنه يحتمل أن يريد عمر رضي الله عنه فأين الباكون، فلا حجة فيه لهذا وهذا الذي ذكروه عن عمر ذكره أبو حاتم عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقرأ ابن مسعود ويحيى والأعمش {وبكياً} بكسر الباء وهو مصدر على هذه القراءة لا يحتمل غير ذلك.

.تفسير الآيات (59- 63):

{فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا (60) جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (61) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (62) تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا (63)}
الخَلف بفتح اللام القرن يأتي بعد آخر يمضي، والابن بعد الأب، وقد يستعمل في سائر الأمور. والخلْف بسكون اللام مستعمل إذا كان الآتي مذموماً هذا مشهور كلام العرب وقد ذكر عن بعضهم أن الخلَف والخلْف بمعنى واحد وحجة ذلك قول الشاعر:
لنا القدم الأولى إليك وخلفنا ** لأولنا في طاعة الله تابع

وقرأ الجمهور {الصلاة} بالإفراد، وقرأ الحسن {أضاعوا الصلوات} بالجمع، وكذلك في مصحف ابن مسعود، والمراد ب الخلف من كفر أو عصى بعد من بني إسرائيل، وقال مجاهد: المراد النصارى خلفوا بعد اليهود وقال محمد بن كعب ومجاهد وعطاء: هم قوم من أمة محمد آخر الزمان، أي يكون في هذه الامة من هذه صفته لا أنهم المراد بهذه الآية، وروى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «كان الخلف بعد ستين سنة» وهذا عرف إلى يوم القيامة وتتجدد أيضاً المبادئ، واختلف الناس في إضاعة الصلاة منهم، فقال محمد بن كعب القرظي وغيره: كانت اضاعة كفر وجحد بها. وقال القاسم بن مخيمرة وعبدالله بن مسعود: كانت اضاعة أوقاتها والمحافظة على أوانها وذكره الطبري عن عمر ين عبدالعزيز رضي الله عنه في حديث طويل. و{الشهوات} عموم وكل ما ذكر من ذلك فمثال، والغي الخسران والحصول في الورطات ومنه قول الشاعر: [الطويل]
فمن يلق خيراً يحمد الناس أمره ** ومن يغو لا يعدم على الغي لائما

وبه فسر ابن زيد هذه الآية، وقد يكون الغي أيضاً بمعنى الضلال فيكون على هذا هنا حذف مضاف تقديره يلقون جزاء الغي وبهذا فسر الزجاج. وقال عبدالله بن عمرو وابن مسعود غي واد في جهنم وبه وقع التوعد في هذه الآية، وقيل غي وآثام، نيران في جهنم رواه أبو أمامة الباهلي عن النبي عليه السلام. وقوله: {إلا من تاب} استثناء يحتمل الاتصال والانقطاع، وقوله: {وآمن} يقتضي أن الإضافة أولاً هي إضاعة كفر هذا مع اتصال الاستثناء، وعليه فسر الطبري. وقرأ الجمهور {يُدخَلون} بضم الياء وفتح الخاء، وقرأ الحسن كل ما في القرآن {يَدخُلون} بفتح الياء وضم الخاء، وقوله: {جنات عدن}، وقرأ جمهور الناس {جناتِ عدن} بنصب الجنات على البدل من قوله: {يدخلون الجنة}، وقرأ الحسن وعيسى بن عمر وأبو حيوة {جناتُ} برفعها على تقدير تلك الجنات، وقرأ علي بن صالح {جنةَ} على الإفراد والنصب وكذلك في مصحف ابن مسعود وقرأها الأعمش، والعدن الإقامة المستمرة، قوله: {بالغيب} أي أخبرهم من ذلك بما غاب عنهم، وفي هذا مدح لهم عن سرعة إيمانهم وبدراهم إذ لم يعاينوا.
والمأتي مفعول على بابه، والآتي هو الإنجاز والفعل الذي تضمنه الوعد، وكان إيتانه إنما يقصد به الوعد الذي تقدمه. وقالت جماعة من المفسرين: هو مفعول في اللفظ بمعنى فاعل بمعنى آت وهذا بعيد، والنظر الأول أصوب، واللغو الساقط من القول، وهو أنواع مختلفة كلها ليست في الجنة، وقوله: {إلا سلاماً}، استثناء منقطع، المعنى لكن يسمعون كلاماً هو تحية الملائكة لهم في كل الأوقات. وقوله: {بكرة وعشياً}، يريد في التقدير أي يأتيهم طعامهم مرتين في مقدار اليوم والليلة من الزمن، ويروى أن أهل الجنة تنسد لهم الأبواب بقدر الليل في الدنيا فهم يعرفون البكرة عند انفتاحها والعشي عند انسدادها، وقال مجاهد: ليس بكرة ولا عشياً لكن يؤتى به على قدر ما كانوا يشتهون في الدنيا، وقد ذكر نحوه قتادة، أن تكون مخاطبة بما تعرفه العرب وتستغربه في رفاهة العيش، وجعل ذلك عبارة عن أن رزقهم يأتي على أكمل وجوهه. وقال الحسن: خوطبوا على ما كانت العرب تعلم من أفضل العيش وذلك أن كثيراً من العرب إنما كان يجد الطعام المرة في اليوم وهي غايته، وكان عيش أكثرهم من شجر البرية ومن الحيوان ونحوه ألا ترى قول الشاعر: [المنسرح]
عصرته نطفة تضمنها ** لصب توقى مواقع السبل

أو وجبة من جناة أشكله ** إن لم يزغها بالقوس لم تنلِ

الوجبة الأكلة في اليوم. وقرأ الجمهور نوْرث بسكون الواو، وقرألأعمش {نورثها} وقرأ الحسن والأعرج وقتادة {نوَرّث} بفتح الواو وشد الراء.